بسم الله الرحمن الرحيم
المشكلات البيئية في "الوطن العربي" وسبل معالجتها
تختلف المشكلات البيئية والتحديات التي تواجه المدن العربية وكذلك جهود حماية البيئة من دولة إلى أخرى وذلك استناد إلى ظروفها الطبيعية وحجم وتنوع الموارد المتاحة وكثافة السكان وتنوع التنمية الاقتصادية ونظمها الاجتماعية .
ولقد زاد من تفاقم المشكلات وتنوعها في مدن الوطن العربي , أن معظم الدول العربية اعتمدت على أساليب التنمية السريعة والتي بدورها تعتمد على الاستغلال المكثف للموارد الطبيعية وباستخدام تقنيات الانتاج الحديثة التي في كثير من الأحيان لا تلائم الظروف البيئية .. كما وأن سياسات توفير الخدمات يتم بصور لا تتكافأ مع المجتمعات الحضرية والريفية ومعطياتها, مما يؤدي إلى زيادة معدل التدهور البيئي والمشكلات البيئة .
وسيتناول بحثي هذا استعراضاً لأهم المشكلات البيئية التي تواجه المدن العربية وطرح مجموعة من التصورات التي يمكن أن تساعد في مجال حماية البيئة ومعالجة مشكلاتها .
المؤشرات والاتجاهات والتحديات :
لقد أدى الانفجار السكاني والنمو الحضري المتسارع إلى تدهور الخدمات والمرافق في كثير من المجتمعات الحضرية .
إن التحديات والمشكلات البيئية التي تواجه المدن وخصوصًا الكبرى منها تتعدد وتتنوع بدءًا بعمليات التخطيط الحضري والعمراني وتوفير المسكن الملائم وما يتطلبه من خدمات ومرافق الماء والصرف الصحي , وتصريف الأمطار والنظافة والتخلص من النفايات وتأمين الأسواق العامة والمسالخ والطرق والكباري والإضاءة وتجميل المدن وانشاء الحدائق العامة وأماكن الترويح فضلاً عن وسائل المواصلات والاتصالات وحماية البيئة من التلوث والضوضاء وتوفير الخدمات الأساسية للمعوقين .. ونحوها .
وانسجاماً مع الجهود المبذولة لدراسة الوضعية الحالية البيئية في المدن العربية فقد أعد المعهد العربي لإنماء المدن استبيانًا مبسطًا شمل العناصر الأساسية التالية : حماية البيئة, النظافة العامة والتخلص من النفايات وتلوث الهواء .. وقد جاءت الاجابات من معظم العواصم العربية وبعض المدن العربية الكبرى .. ومن واقع التحليل الذي قام به المعهد لتلك البيانات أمكن تلخيص المشكلات والتحديات البيئية التي تواجه المدن والبلديات فيما يلي :
- عدم كفاية شبكة الصرف الصحي .
- قرب المزبلة العمومية من العمران في المدينة .
- عدم وجود معالجة جذرية لمكب النفايات .
- الزحف العمراني غير المنظم والتهجير .
- وجود الورش والمصانع داخل الكتلة السكنية .
- الاختناقات المرورية وما تسببه من تلوث الهواء .
- عدم وجود مختبرات كافية أو عدم كفاية المختبرات الموجودة .
- النقص في الأدوات اللازمة لعمليات النظافة .
- عدم وجود مشاريع للاستفادة من القمامة .
- انجراف الشواطئ والواجهات البحرية .
- الروائح الكريهة المنبعثة من محطات الصرف الصحي .
- عدم توفير التدريب في مجالات البيئة .
المشكلات البيئية في المدن العربية :
تشمل الخدمات البيئية مجموعة كبيرة من النشاطات من بينها توفير المأوى والمسكن الصحي مع الخدمات والمرافق المرتبطة به والمحافظة على نظافة البيئة السكنية والتخلص من النفايات ومعالجتها ومكافحة التلوث البيئي وتوفير الراحة والسلامة في المناطق الحضرية . لقد أدت الزيادة الكبيرة في عدد السكان والنمو الحضري المتسارع في كثير من المجتمعات الحضرية إلى تدهور الخدمات والمرافق فيها الأمر الذي يهدد الصحة العامة والبيئة حيث ترتب على ذلك قصور في خدمات النظافة وجمع النفايات وتقديم خدمات المياه وتمديد شبكاتها وتجديدها حيث أصبح لا يغطي النصف , أما شبكات الصرف الصحي فلا تغطي الا جزءًا بسيطًا ! ناهيك عن خدمات مكافحة التلوث وتحسين البيئة وحمايتها فأنها محدودة جدًا في كثير من مدن البلدان العربية .. وإذا استمرت اتجاهات التحضر والنمو العمراني في المنطقة العربية على هذا المنوال , فأن المراكز الحضرية والمدن الكبرى سوف تكون أكثر ازدحامًا وتلوثًا ومن ثم غير ملائمة لسكن الإنسان وفقًا للمقاييس الدولية نظرًا لتدمير البيئة الطبيعية حيث ازالة الكثير من المساحات الخضراء وانتـشار التصحر وزيادة حـــرارة الأرض وتقليص طبقة الأوزون وزيادة نسبةالتلوث في الجو والماء .. وغيرها .
وقد نتج هذا التدهور والقصور بسبب عدة عوامل منها
1 - عدم تنسيق سياسات وبرامج تحسين البيئة
2 - تعدد الجهات المعنية بالخدمات البيئية
3 - تعقد العلاقات بين البرامج المختلفة وذلك بالاضافة إلى تعدد الأجهزة المحلية والمركزية المسئولة عن البيئة والخدمات فيها ..
1- الاسكان وتوفير المأوى :
ان الأوضاع الحالية في معظم الدول العربية تعطي اهمية محدودة لمشكلات الاسكان وأن تأثير الحكومة وتدخلها لن يحل مشكلة العجز الكبير في المساكن خلال ربع القرن القادم ولا حتى التركيز على التنمية الريفية في بعض البلدان أو اتجاه انشاء مدن جديدة في بعضها الآخر سوف يُحدث تخفيفًا في النمو الحضري واحتياجات الاسكان , الأمر الذي سوف يستمر معه انشاء المستوطنات العشوائية ومدن الصفيح في أطراف المدن . وقد ترتب على غياب التخطيط لمواكبة هذا التزايد وضعف الامكانات وعدم توفير التمويل اللازم للاسكان , أن تفاقمت المشكلة .. وتشير معظم التنبؤات ومؤشرات النمو الحضري التي وردت في صدر هذا البحث أن التوسع في نمو المدن سيستمر خلال السنوات القادمة وأن هذه الظاهرة ستنعكس آثارها في المزيد من السكن العشوائي وبيوت الصفيح , وسيكون هناك المزيد من المدن المتدهورة والأحياء القديمة التي تطوق مدن العالم الثالث عمومًا وتساهم في تفاقم المشكلات والتدهور في صحة البيئة والنقص في المياه والخدمات والمرافق .. يضاف إلى ذلك متطلبات صحة البيئة والرعاية الصحية والخدمات المدينية الأخرى مثل المواصلات والاتصالات والطرق وتأمين الخدمات الصحية والتعليمية واحتياجات السكان الغذائية والامنية والترويحية .. ونحوها .
ولمواجهة مشكلات المأوى والاسكان فهناك استراتيجيات تهدف إلى معالجة اتجاهات النمو الحضري المتمثلة في زيادة سكان المدن وارتفاع نسبة البطالة الحقيقية والمتوسعة وزيادة الطلب على البنية التحتية والخدمات والمرافق . وفي مقدمة هذه الاستراتيجيات أهمية أدخال الاسكانفي اطار حملة التنمية والاستثمار باعتبار أن معالجة مشكلة الاسكان وتوفيره يخدم الاقتصاد والتنمية ومن ثم حماية البيئة .
2- النظافة والتخلص من النفايات :
أن التأكيد على هذا الجانب من العمل البلدي لن يغفل في المستقبل بل أنه سيزداد أهمية وذلك للأسباب التالية :
- كمية النفايات المنتجة وانتاج الفرد من النفايات في اليوم الواحد في تزايد مستمر .
- بدأت النفايات المنتجة في المدينة تزداد تعقيدًا في تركيبها وظهرت فيها مواد تعتبر ذات نوعية خاصة أو سامة كالبطاريات ومواد الطلاء والحيوانات الناقلة للمبيدات .
- زيادة كمية النفايات الصناعية المنتجة وتنوعها وخصوصًا الكيميائية .
إن المهام الأساسية للبلديات هنا ليس تنظيف المدينة وجمع النفايات فقط .. ولكن أيضًا التخلص من هذه النفايات ومعالجتها بطرق علمية تساعد على حماية البيئة من التلوث .وليس هذا فحسب ولكن أيضًا الاستفادة من هذه النفايات عن طريق تدويرها وربما تحقيق عائد اقتصادي منها يمكن استثماره في دعم الجهود لحماية البيئة .
ومن واقع بيانات الدراسة المسحية التي قام بها المعهد العربي لإنماء المدن حول النظافة العامة والتخلص من النفايات المشار إليها تبين أن النفايات المنزلية والتي تضم مخلفات مطابخ المنازل والفنادق والمطاعم ومحلات البقالة والأسواق والمحلات التجارية والمستخلصة عن 111مدينة عربية تمثل 78% من مجموع النفايات الأخرى وهذه النسبة أعلى من نسبة مخلفات كل دول العالم والتي تقرب من 75% من مجموع النفايات الصلبة عدا مخلفات المباني مما يعطي النفايات المنزلية اهمية بالغة ليس بسبب زيادة كميتها ولكن لاشتراك كل فرد من أفراد المجتمع في انتاجها يوميًا وبصورة متكررة وبكميات بسيطة تغطي كل المساحة السكنية من المدينة مما يؤدي إلى افساد البيئة السكنية وتلوثها .. ومما يجعلها من التحديات الكبيرة التي ينبغي مواجهتها والتخلص منها أو معالجتها .
ونظرًا لأن مشكلة النفايات في المدن ذات أبعاد متعددة مع الظروف والامكانات المتاحة لكل منها , فأنه من الضروري الأخذ باستراتيجية مناسبة لإدارة النفايات حتى يمكن التغلب على المشكلات التي تعوق فاعليتها وقدرتها على حماية البيئة .
3- شبكات المياه والصرف الصحي والتلوث :
يُعتبر من الأولويات الأساسية لاحتياجات المدن والمستوطنات البشرية توفير المياه الصالحة للشرب وكذلك تمديدات شبكات الصرف الصحي وخصوصًا بالنسبة لأطراف المدن .. ونظرًا لطبيعة المباني وتخطيطها في كثير من المدن العربية الذي يعتمد على الامتداد الأفقي , فإن ذلك يتطلب جهودًا كبيرة من البلديات والمدن لتمديدات تلك الشبكات . وحيث أن كثيرًا من المدن لا تتوفر لديها الامكانيات فإن عمليات توفير المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي تتم بطرق بدائية تتمثل في كثير من الأحوال في حفر الآبار العميقة منها والمتوسطة العمق ,والتي تستخدم احداهما لمياه الشرب والأخرى للتخلص من مخلفات الإنسان وينتج عن ذلك الكثير من النتائج المضرة بالصحة العامة وصحة البيئة . هذا إلى جانب أن مراكز المدن واحيائها القديمة تعاني من عدم كفاءة شبكاتها نظرًا لتقادمها من ناحية وللضغوط غير العادية عليها حيث صممت لخدمة عدد محدد ولمدة معينة وقد تجاوزت كلتا الحالتين بكثير .
وتعتبر إدارة التخلص من مياه الصرف الصحي في بعض الدول العربية من اختصاص جهات حكومية أخرى غير البلدية ولكن من الشائع أن تتولى البلدية هذه المهمة وحتى مع قيام جهات أخرى بعمليات إدارة الصرف الصحي , فإن ذلك لا يعفي البلدية من تحمل جزء من مسئولية هذه الإدارة وذلك لارتباط التخلص من مياه الصرف الصحي بعمليات النظافة والصحة العامة وصحة البيئة الحضرية .. وعليه فأنه من الضروري التنسيق في مجال إدارة النفايات والتخلص منها وإدارة مياه الصرف الصحي وخصوصًا فيما يتعلق باساليب وتقنيات التخلص من النفايات في كل منها .
4- الرقابة على المواد الغذائية وحمايتها من التلوث :
لقد شهد انتاج وتصنيع المواد الغذائية في العقد الأخير تطورًا ملموسًا وزادت الانتاجية حيث تم استنباط أنواع وثمار جديدة كما زادت امكانيات حفظ المواد لمدة طويلة ونقلها لأماكن بعيدة .. إلا أن هذا التطور لم يكن دون مشاكل أو دون ظهور آثار جانبية تلقي بظلالها في مجال صحة الإنسان والنبات والحيوان وتلوث البيئة ولم تعد المواد الغذائية تتعرض فقط للتلوث الطبيعي وإنما أيضًا للتلوث الكيميائي وهو أكثر ضررًا حيث يصعب اكتشافه بالحواس العادية ويحتاج إلى معدات وتقنية لاكتشافه .
إن المدن الكبرى ميسورة الموارد تتوافر لديها الامكانات المادية والفنية والتقنية والمختبرات للقيام بعمليات الرقابة .. ولعل المهم في هذا المجال وضع استراتيجية تأخذ في الاعتبار :
- وضع نظام موحد لإدارة الرقابة بحيث تكون هناك معايير موحدة .
- تبادل المعلومات والخبرات والاستفادة من الخبرات المتوافرة لدى المدن الكبرى.
- القيام بدراسات مشتركة حول المواد الغذائية وملوثاتها وأساليب معالجتها .
كما وأن التعاون بين المدن وحده لا يكفي بل يجب أن يتبعه تعاون اقليمي ودولي خصوصًا وأنه قد حدث تطور كبير في نقل المواد الغذائية عبر القارات .
5- خدمات المرور والاختناقات المرورية :
تشهد المدن العربية حركة مرورية متزايدة نظرًا للنمو الاقتصادي والحضري حيث تزايد عدد السيارات زيادة كبيرة وخصوصًا السيارات الخاصة وسيارات الأجرة بالاضافة إلى النقل العام وآليات الخدمات والمرافق وجميعها يمثل مصدرًا كبيرًا لتلوث بيئة المدينة .. ومما يزيد الحالة سوءًا عدم اتساع الشوارع وبالتالي ازدحامها مما يؤدي إلى اختناقات مرورية ويضاف إلى ذلك قدم السيارات والآليات في كثير من المدن العربية ويترتب على ذلك تلوث الهواء باكسيد الكربون وتعطيل حركة المرور .
وتحظى شبكات النقل الحضري بالمزيد من الاهتمام نظرًا لتزايد السكان في المدن وتزايد حركة نقل البضائع .. وهذا النمو المستمر لحركة النقل وتطورها ساهم في نقص المرافق وازدحام الطرق . وهناك حاجة لمزيد من الاجراءات لتحسين الطرق وتنظيم حركة المرور وتمديد شبكات الخدمات إلى أطراف المدن للحد من تردد سكان الأطراف على قلب المدينة واعتمادهم الدائم على خدماتها .
6- الكوارث وخدمات الطوارئ والاغاثة في المدن :
الكوارث بأنواعها الطبيعية أو التي من صنع الإنسان ظاهرة تشهدها المدن في سـائر انحاء العالم , وتعاني المدن وسكانها من ويلات الكوارث بمختلف أنواعها وأشكالها .. وإلى جانب الزلازل والأعاصير والفيضانات التي تكتسح المدن على فترات متباعدة , هناك الحرائق وحوادث المرور كوارث العصر الناجمة عن الغازات والكيماويات والأشعاعات والقنابل بأنواعها المتعددة .. ونحوها .
وعليه أصبحت الحاجة ملحة للاهتمام بمكافحة الكوارث والتي ينتج عنها الكثير مما يتسبب في تلويث البيئة والاضرار بها .. ومن هنا كان لا بد من الأخذ باساليب السلامة والحيطة والوقاية من حدوث الكوارث والاستعداد لمكافحتها ثم معالجة آثارها عن طريق خدمات الطوارئ والاغاثة واعادة الاوضاع إلى طبيعتها .
7- القوارض والحشرات والبيئة :
لقد ظهرت القوارض على سطح الأرض قبل ظهور الإنسان كما تشير الأبحاث الأثرية التي تتابع تاريخ ظهور الكائنات الحية , وفي الغالب عرفها الإنسان ككائنات تسبب الأوبئة والأمراض وتعبث بالممتلكات والمحاصيل . وقد اثبتت التجارب أنه من الناحية النظرية يمكن أن يبلغ تناسل فأر وفارة في غضون عام واحد ولادة عدد من الفئران يقدر بألف وخمسمائة , ولكن من لطف الله تعالى أن هناك عوامل طبيعية تحد من حدوث ذلك .
ومن جانب آخر فأنه لا يوجد أي مجتمع إنساني يخلو من الحشرات , وكثير من هذه الحشرات يضر بالصحة والبيئة , ويكثر انتشار معظم الحشرات في المناطق الحارة والتي من بينها الدول العربية , والحشرات تحمل في جسمها المكروبات وتتكاثر بسرعة وهي أنواع كثيرة ومنها الصراصير التي تعيش في دورات المياه وتنقل للإنسان أمراضًا كثيرة . ويضاف إلى ذلك الذباب والناموس وغيرها مما يتطلب المكافحة , وتتم مكافحة الحشرات بأساليب متعددة منها المكافحة الميكانيكية واستخدام المواد الكيميائية وربما تكون المكافحة الميكانيكية أقل ضررًا على البيئة حيث أن المكافحة الكيميائية تلحق الضرر بالبيئة والصحة العامة وذلك لشمولها على مساحيق ومواد سامة لها اثار سلبية على البيئة .
8- التصحر وازالة الغطاء النباتي :
التصحر كارثة كبيرة تهدد حياة الإنسان والحيوان والنبات .. وفي كل عام تزحف الصحراء إلى المناطق الخضراء والزراعية وتقضي على آلاف الكيلو مترات المربعة الخضراء , يضاف إلى ذلك قطع الإنسان للأشجار والغابات لاستخدامها كوقود مما يؤدي إلى مزيد من تعرية الأراضي والمناطق التي كانت تزخر بالأشجار والغطاء النباتي الذي له أثره في الحياة العامة مما لا يحتاج إلى تبيان .
ولقد كان للتخطيط الحضري والتوسع العمراني مساهمته في القضاء على الغطاء النباتي في العالم عامة وفي العالم العربي بشكل خاص وفي منطقة الخليج على وجه الخصوص التي شهدت طفرة عمرانية هائلة بعد اكتشاف النفط فتوسعت المدن وضمت إليها القرى والأرياف كما تم انشاء مدن جديدة وكل ذلك أدى إلى قطع اعداد كثيرة من الأشجار ولم تراعي اهمية هذه الأشجار في تثبيت التربة وتلطيف الجو والآثار البيئية الأخرى .. يضاف إلى ذلك تشييد الشوارع الواسعة والمسفلتة وكذلك مواقف السيارات المبلطة ونحوها مما ترتب عليه إزالة المزيد من الغطاء النباتي .
المستوطنات والإعتداء على البيئة :
ان كثيرًا من الناس لا يرى المستوطنة البشرية الا حيزًا من الأرض .. ومن المؤكد أن المكان عنصر هام من عناصر المستوطنات البشرية وبدونه لا يمكن الحديث عن المستوطنة , فالمكان هو البيئة والبوتقة التي تنصهر فيها جميع المكونات بطريقة مناسبة لتحقيق التنمية المتواصلة .. ويلعب المكان دور المستضيف الذي لا يتدخل في سير الأمور إلا أن دوره مهم ليس فقط في ذاتية المكان ولكن لاحتوائه على معطيات عديدة لا غنى عنها في عملية التنمية . وتفاعل الإنسان مع المكان ومعطياته هو الذي يؤدي إلى ديناميكية المكان وتنمية المستوطنات .
كما وأن التقدم التكنولوجي في هذا العصر مكن الكثير من الأماكن ذات الظروف المناخية القاسية لتصبح أكثر قابلية للاستيطان . ومما لا شك فيه أن هناك عوامل بيئية طبيعية لها طابع مكاني وأخرى ذاتية شخصية ممثلة في الإنسان وأعماله وهي التي تحدد إلى أي مدى يصبح المكانمستوطنة بشرية بصفة دائمة أو مؤقتة . أن السؤال الذي يستحق الاجابه هو إلى أي مدى يكون هناك تفاعل متبادل بين البيئة والطبيعة والإنسان .. ويذكر في هذا الصدد أن لهذه البيئة معطيات محددة تتألف من مصادر متجددة ومصادر غير متجددة والتفاعل السليم مع هذين المصدرين هو الذي يحدد في النهاية أية المستوطنتين يشهد التطور السليم الذي يتناسب مع متطلبات البيئة . ولكن ولسوء الحظ نادرًا ما يراعي الإنسان المطالب البيئية بل على العكــس يقوم بكثير من النشاطات التي تعتبر اعتداء على البيئة مـن ذلك على ســبيل المثال :
- الافراط في استغلال المصادر غير المتجددة مما يؤدي إلى تناقصها بصفة مستمرة ثم فنائها وانتهائها مما يعنى الاعتداء على حقوق الاجيال القادمة .
- الافراط في استغلال المصادر المتجددة ويؤدي هذا إلى الأخذ من الطبيعة أكثر مما تطيق أن تقوم بتجديده وهذا يؤدي إلى تناقص مستمر في الكمية التي تجدد وبمرور الزمن سوف يأتي اليوم الذي يستهلك فيه الجزء الأخير من المصدر المتجدد وبالتالي فأن المصدر المتجدد نفسه يختفي .
أن التدخل غير السليم من قبل الإنسان في محتويات البيئة الطبيعية من العوامل الهامة التي أدت إلى تدهور أحوال البيئة في كثير من المستوطنات البشرية . فالإنسان هو الذي ساهم إلى حد بعيد في القضاء على الغابات وإلى ظهور ما يسمى بظاهرة التصحر , كما قام بتلويث الهواء وذلك باطلاقه ملوثات تتضمن أبخرة لمواد كيماوية وهناك تلوث التربة والمياه السطحية والجوفية .. وكل ذلك بفعل الإنسان ونشاطاته .
ان الاعتداء على الطبيعة ومحتوياتها يؤدي بمرور الزمن إلى تدهور البيئة وإلى أن تصبح كثير من النشاطات التي صممت أصلاً لتأتي بالتقدم والتنمية سببًا في التدمير والتخلف .
ولعل أول خطوة حول امكانات الحل يمكن القيام بها لوقف هذه الاعتداءات وحل مشكلة التدهور في البيئة هو اتباع اسلوب التنمية المستدامة والتي تهدف إلى الامتناع عن الاعتداء على البيئة الطبيعية ومكوناتها , والتوازن والاعتدال في استغلال مواردها المتجددة وغير المتجددة مع اتخاذ خطوات ايجابية لاعادة التوازن البيئي للمستوطنات البشرية .
المشكلات البيئية والمعالجات :
لقد اضحت مشكلة اختلال التوازن البيئي من المشكلات الدولية التي تشغل دول العالم قاطبة خاصة الدول الصناعية الغربية والتي ساهمت إلى حد كبير في تلوث البيئة عن طريق التحولات الصناعية التي شهدتها هذه الدول والتوسع في الصناعات الكيماوية والذرية وغيرها من الصناعاتالتي تؤثر على البيئة وعلى طبقة الأوزون .. كما احتلت القضايا البيئية مكانة رئيسية في دورات الجمعية العامة للأمم المتحدة , وكرس برنامج الأمم المتحدة للبيئة جهوده لحماية البيئة .
كما بذلت الدول والمنظمات والأجهزة المعنية بالبيئة جهودًا كبيرة .. لقد باتت قضية التلوث البيئي من الأولويات التي تشغل المعنيين ممن يصنعون السياسات أو يتخذون القرارات في مختلف انحاء العالم .. وبدأت بعض الدول الصناعية الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1977 في اتخاذ خطوات لمجابهة احتمالات انخفاض طبقة الأوزون فقامت يتحريم استعمال مواد ( الكورفلور كاربون ) (1) التي يؤدي إلى اطلاقها المستمر في الجو إلى استنفاد طبقة الاوزون وأن كان استعمالها ما زال شائعًا لاغراض محدودة مثل التبريد . كما أولت الولايات المتحدة اهتمامًا خاصًابحماية البيئة ووضعت برنامجًا للمحافظة على التوازن البيئي وقامت بعقد مؤتمرات دولية عديدة لهذا الشأن . كما لعبت وكالة الفضاء الامريكية (ناسا ) دورًا هامًا في مجال الكشف عن تآكل طبقة الأوزون ومعرفة أسباب ذلك .
ويؤكد المسئولون المتخصصون في حماية البيئة الامريكية أن العديد من القضايا التي تهدد البيئة الامريكية لا يمكن التعامل معها الا على المستوى الدولي كما يؤكدون أن الاجراءات التي يمكن للدولة أن تتخذها بمفردها ستكون غير كافية لمعالجة مشكلات البيئة إذ أن المعالجةتحتاج إلى عمل جماعي من قبل دول العالم مجتمعة , كما وأن العمل مطلوب للتعامل بكفاية عالية مع السلع المتبادلة في التجارة الدولية مثل الكيماويات السامة .
واهتمت كندا بموضوع التوازن البيئي والمحافظة على طبقة الاوزون وكرست جهودًا لاجـراء الدراسات ومراقبة طبقة الاوزون وتم في أراضيها ابرام أول بروتوكول لتوعية الرأي العام العالمي بالمخاطر والآثار المترتبة على تآكل طبقة الاوزون .
كما بدأت دول اوروبا الغربية توجه اهتماماتها وجهودها نحو حماية طبقة الاوزون والمحافظة على التوازن البيئي وعقدت لها الندوات والمؤتمرات واصبح موضوع المحافظة على البيئة من أهم الموضوعات التي بدأت التركيز عليها في الانتخابات الاوروبية والتي شهدت تقدمًا ملحوظًالانصار البيئة الذين سموا انفسهم ( الخضر) .
ومن أوروبا الغربية بدأت أصوات انصار البيئة ترتفع في كافة أنحاء العالم بما في ذلك دول اوروبا الشرقية والدول الصناعية في شرق آسيا كاليابان وتجاوز الاهتمام بمخاطر البيئة وتآكل طبقة الاوزون نطاق الـدول الصناعية الكبرى وشمل الصين والهند.
غير أن جهود التصدي لمخاطر نضوب طبقة الاوزون وارتفاع درجة حرارة الأرض والاختلال الطبيعي للبيئة برزت بصورة أوضح بعد الكوارث التي شهدتها بعض دول العالم ومنها كارثة محطة تشيرنوبل في الاتحاد السوفيتي السابق , وظهور موضوع نقل نفايات الدول الغنية إلى العالم الثالث وافريقيا بصفة خاصة.
وتحركت الدول الصناعية الكبرى مرة أخرى لاتخاذ خطوات جادة للتصدي لمخاطر نضوب طبقة الاوزون, وترجم هذا التحرك في القرارات والتوصيات التي صدرت عن مؤتمر القمة الخامس عشر للدول الصناعية الكبرى في باريس يوليو 1989م حيث قرر الزعماء قيادة معركة حماية البيئة وتبني ميثاق سلوك يهدف إلى الحفاظ على ميراث الاجيال المقبلة وأعطى المؤتمر لموضوع البيئة ولأول مرة اهمية مماثلة لاهمية المسائل الاقتصادية والمالية والدولية وعلاقات الشرق والغرب وذلك من منطلق أن البيئة اضحت تعتبر احدى المعطيات الاقتصادية والسياسية الرئيسية .. ومن أهم توصيات ذلك المؤتمر :
- اتخاذ اجراءات فورية لفهم توازن البيئة وحمايته وصولاً إلى فهم مشترك للمحافظة على البيئة سليمة ومتوازنة .
- انشاء منظمة تعاون وتنمية اقتصادية للبيئة تأخذ في الاعتبار مشكلات البيئة عند رسم السياسات الاقتصادية للدول الصناعية .
- حث الدول الفقيرة على المشاركة في حماية البيئة عبر مساعدات التنمية التي تقدم لها .
وحيث تولى غالبية دول العالم عناية خاصة لقضايا البيئة , فأن المنظمات الدولية لم تتوانى عن المشاركة والتشجيع لكل الجهود المبذولة لحماية البيئة ومن بين هذه المنظمات البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي حيث يوليان اهتمامًا متزايدًا للبعد البيئي للتنمية .
فالبنك الدولي من خلال برامجه لمكافحة الفقر ودعم التنمية القابلة للاستمرارSustainable Development ركز على موضوع التقويم البيئي للمشروعات التي يدعمها أو يمولها وذلك بهدف ربط محتوى دراسة التأثير في البيئة بالعمليات التي يزمع القيام بها واعتبار آثار العملية على بيئة دولة اجنبية من المشكلات الدولية .
وقد اضطلع برنامج الأمم المتحدة للبيئة بدور رئيسي في تطوير الوعي والأحساس بالوتيرة المتسارعة لتدهور البيئة فيما يتعلق ببعض القضايا الرئيسية التي باتت تتصدر الاهتمامات وهي القضايا المتعلقة بالجو وبوجه خاص تغير المناخ وتزايد حرارة الأرض واستنفاذ طبقة الاوزونوالامطار الحمضية .. ودعا البرنامج إلى أن تصبح البيئة بعدًا في استراتيجية انمائية دولية .
منظمة المدن العربية وأجهزتها والمشكلات البيئية في المدن العربية :
انسجاماً مع الجهود الدولية في مجال البيئة وحمايتها , بدأت المنظمات والمؤسسات العربية المهتمة بحماية البيئة تعطي اهتمامًا كبيرًا لقضايا معالجة الأخطار المحيطة بتلوث البيئة الحضرية في المدن العربية وذلك نظرًا للنمو المتزايد السريع الذي تشهده المدن العربية نتيجة لتنفيذ مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وخاصة المشروعات الصناعية .
وفي اطار هذا الاهتمام , فأن منظمة المدن العربية وجهازها العلمي الفني المتخصص ( المعهد العربي لإنماء المدن ) قد اهتما بدراسة البيئة الحضرية والتعرف على مشكلات المدن العربية الناتجة عن التلوث البيئي والتأكيد على أهمية دور البلديات والمجالس البلدية والقروية في حماية البيئة والتخلص من النفايات إلى جانب معالجة المشكلات والقضايا التي تواجه المدن والبلديات وذلك من خلال اعداد الدراسات العلمية والتطبيقية واللقاءات المتخصصة ومن خلال برامج التدريب إلى جانب الخدمات الاستشارية .
وشملت اهتمامات منظمة المدن العربية ومعهدها تنظيم المؤتمرات والندوات العلمية التي تناولت قضايا البيئة , نشير إلى بعض منها فيما يلي :
1- المؤتمر العام الرابع عن ( البيئة الصحية في المدن العربية ) الذي عقد في بغداد عام 1974م وصدرت الابحاث والدراسات التي عالجت الموضوع من جميع جوانبه في كتاب بعنوان ( البيئة الصحية في المدن العربية ) يضم ثلاثين بحثًا ودراسة علمية نظرية وتطبيقية .
2- الندوة العلمية حول ( دور البلديات في حماية البيئة بالمدن العربية ) التي عقدت في الكويت عام 1981م وتركزت أعمالها على مختلف جوانب المشكلات البيئية ومفهوم التكامل البيئي وصدرت عنها حوالي عشرين توصية في حماية البيئة الحضرية .
3- ندوة ( المدينة والكوارث ) التي عقدت بالتعاون مع اكاديمية نايف العربية للعلوم الامنية (المركز العربي للدراسات الامنية والتدريب ) سابقًا وذلك في مدينة تونس عام 1986م.
كما تم في مجال البحوث اصدار الدراسة الموسوعية الشاملة عن النظافة والتخلص من النفايات في المدينة العربية , والتي تعتبر موسوعة مصغرة في هذا المجال , كما صدرت دراسـة عن أساليب ووسائل معالجة النفايات والاستفادة من تصنيعها وتدويرها .
كما تم اعداد القوانين والنظم واللوائح والاجراءات المنظمة للشئون الصحية والبيئية في المدن العربية .
هذا إلى جانب عشرات الدورات التدريبية المتخصصة في مجال النظافة والتخلص من ا النفايات والصرف الصحي وصحة البيئة .
التوصيات والحلول المقترحة (رأي شخصي) :
لقد تنامى ادراك الدول والمنظمات والأفراد في الأونة الأخيرة بظاهرة تدهور البيئة وخاصة فيما يتعلق ببعض القضايا الرئيسية التي باتت تتصدر الاهتمامات لدى العلماء والمتخصصين والمهتمين بالبيئة . فقد اصبح من الواضح أن مستقبل رفاهية الجنس البشري وأمنه فوق هذا الكوكب يتوقف على تقليل الآثار البيئية السلبية لأنشطة الإنسان التي نجمت عن التلوث البيئي الصناعي وغيرها وعدم السيطرة عليها, ولقد اصبحت العلاقة بين القضايا البيئية وإدارتها وبين الأمن الوطني والدولي أمرًا مسلمًا به كما يتزايد ادراك الحاجة إلى القيام بجهود مكثفةدولية واقليمية ومحلية وانسانية بشأن هذه القضايا البيئية التي تتجاوز الحدود الوطنية للدول . وبمعنى آخر فأنه اصبح من الضروري النظر في كيفية تركيز الجهود وفي الطريقة المثلى لحماية البيئة على الصعيد الوطني والاقليمي والدولي .. ولعل من حسن الطالع أن الدول
والمنظمات والهيئات الرسمية وغير الرسمية المحلية والاقليمية والدولية باتت توجه جهودها واهتمامها في السنوات الأخيرة نحو حماية البيئة والمحافظة على التوازن البيئي .
وفي اطار معطيات هذه الجهود وما جرى طرحه في هذا البحث , فأنني من خلال هذا البحث أرى أهمية طرح استراتيجية لمعالجة القضايا والمشكلات البيئية والمحافظة على صحة البيئة وحمايتها في المدن العربية , ويمكن أن تركز هذه الاستراتيجية على ما يلي إلى جانب الأمور الجوهرية الأخرى :
1- التركيز على البيئة وبرامج حمايتها من قبل الإدارة الحضرية المعنية مع الأخذ بنتائج الدراسات البيئية وخاصة تلك التي تركز على النواحي الإنسانية والمستويات البيئية المطلوبة .
2- اتخاذ الإجراءات الوقائية والعلاجية من خلال أجهزة التخطيط للحاضر والمستقبل مع الأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات حسب الواقع للتخلص من النفايات , مواقف وسائل النقل داخل المدن , مواقع الحركة لتفادي الازدحام والاختناقات المرورية .
3- ايجاد نظم معلومات وبيانات حول التلوث البيئي .. وهذه ضرورية حتى يمكن تحليل الحوادث الناتجة عن المواد الكيمياوية والاشعاعات .. ونحوها على الحياة في المدن وخاصة الكبرى منها .
4- الاهتمام بأطراف المدن والأخذ باسلوب التخطيط الشامل والمتكامل للخدمات والمرافق المحلية وابتكار وسائل للتنسيق وانشاء قنوات اتصال مستمر بين الجهات والأجهزة المعنية بالخدمات البيئة والحضرية.
5- دعم برامج توعية المواطنين وحثهم على حماية بيئتهم والابتعاد عن السلبيات التي تؤدي إلى التلوث والسلوكيات الأخرى التي ينتج عنها التدهور البيئي .
6- ايجاد أجهزة متخصصة تعني بقضايا البيئة للتنسيق مع الأجهزة الحكومية والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية التي تعمل في مجال البيئة في جميع المشروعا التنموية والصناعية والزراعية والتجارية والخدمية .. ونحوها .
7- اهمية وضع قوانين داخلية لحماية البيئة مع الأخذ بعين الاعتبار القوانين الدولية والاقليمية المرتبطة بالتأثير على البيئة .
8- الاهتمام بالتقويم البيئي ودمج مشروعات البيئة في عمليات التنمية .
9- تدريب وتأهيل منسوبي المدن والبلديات تدريبًا حديثًا في مجال صحة البيئة وحمايتها .
10- اجراءات دراسات وبحوث متخصصة وتطبيقية في مجال صحة البيئة والتوازن البيئي .
تم بعون الله تعالى
المراجع :
* The Conservation Foundation: State of the Environment - An assessment at mid-decade2.
* Berry, Jim and others: Urban Regeneration - Property Investment and Development. London: E & F N Spon
* Fuchs, Roland J. and others: Mega City Growth & Future. Tokyo: Unitd Nations University Press,
* World Waste. (Monthly Journal).
المشكلات البيئية في "الوطن العربي" وسبل معالجتها
تختلف المشكلات البيئية والتحديات التي تواجه المدن العربية وكذلك جهود حماية البيئة من دولة إلى أخرى وذلك استناد إلى ظروفها الطبيعية وحجم وتنوع الموارد المتاحة وكثافة السكان وتنوع التنمية الاقتصادية ونظمها الاجتماعية .
ولقد زاد من تفاقم المشكلات وتنوعها في مدن الوطن العربي , أن معظم الدول العربية اعتمدت على أساليب التنمية السريعة والتي بدورها تعتمد على الاستغلال المكثف للموارد الطبيعية وباستخدام تقنيات الانتاج الحديثة التي في كثير من الأحيان لا تلائم الظروف البيئية .. كما وأن سياسات توفير الخدمات يتم بصور لا تتكافأ مع المجتمعات الحضرية والريفية ومعطياتها, مما يؤدي إلى زيادة معدل التدهور البيئي والمشكلات البيئة .
وسيتناول بحثي هذا استعراضاً لأهم المشكلات البيئية التي تواجه المدن العربية وطرح مجموعة من التصورات التي يمكن أن تساعد في مجال حماية البيئة ومعالجة مشكلاتها .
المؤشرات والاتجاهات والتحديات :
لقد أدى الانفجار السكاني والنمو الحضري المتسارع إلى تدهور الخدمات والمرافق في كثير من المجتمعات الحضرية .
إن التحديات والمشكلات البيئية التي تواجه المدن وخصوصًا الكبرى منها تتعدد وتتنوع بدءًا بعمليات التخطيط الحضري والعمراني وتوفير المسكن الملائم وما يتطلبه من خدمات ومرافق الماء والصرف الصحي , وتصريف الأمطار والنظافة والتخلص من النفايات وتأمين الأسواق العامة والمسالخ والطرق والكباري والإضاءة وتجميل المدن وانشاء الحدائق العامة وأماكن الترويح فضلاً عن وسائل المواصلات والاتصالات وحماية البيئة من التلوث والضوضاء وتوفير الخدمات الأساسية للمعوقين .. ونحوها .
وانسجاماً مع الجهود المبذولة لدراسة الوضعية الحالية البيئية في المدن العربية فقد أعد المعهد العربي لإنماء المدن استبيانًا مبسطًا شمل العناصر الأساسية التالية : حماية البيئة, النظافة العامة والتخلص من النفايات وتلوث الهواء .. وقد جاءت الاجابات من معظم العواصم العربية وبعض المدن العربية الكبرى .. ومن واقع التحليل الذي قام به المعهد لتلك البيانات أمكن تلخيص المشكلات والتحديات البيئية التي تواجه المدن والبلديات فيما يلي :
- عدم كفاية شبكة الصرف الصحي .
- قرب المزبلة العمومية من العمران في المدينة .
- عدم وجود معالجة جذرية لمكب النفايات .
- الزحف العمراني غير المنظم والتهجير .
- وجود الورش والمصانع داخل الكتلة السكنية .
- الاختناقات المرورية وما تسببه من تلوث الهواء .
- عدم وجود مختبرات كافية أو عدم كفاية المختبرات الموجودة .
- النقص في الأدوات اللازمة لعمليات النظافة .
- عدم وجود مشاريع للاستفادة من القمامة .
- انجراف الشواطئ والواجهات البحرية .
- الروائح الكريهة المنبعثة من محطات الصرف الصحي .
- عدم توفير التدريب في مجالات البيئة .
المشكلات البيئية في المدن العربية :
تشمل الخدمات البيئية مجموعة كبيرة من النشاطات من بينها توفير المأوى والمسكن الصحي مع الخدمات والمرافق المرتبطة به والمحافظة على نظافة البيئة السكنية والتخلص من النفايات ومعالجتها ومكافحة التلوث البيئي وتوفير الراحة والسلامة في المناطق الحضرية . لقد أدت الزيادة الكبيرة في عدد السكان والنمو الحضري المتسارع في كثير من المجتمعات الحضرية إلى تدهور الخدمات والمرافق فيها الأمر الذي يهدد الصحة العامة والبيئة حيث ترتب على ذلك قصور في خدمات النظافة وجمع النفايات وتقديم خدمات المياه وتمديد شبكاتها وتجديدها حيث أصبح لا يغطي النصف , أما شبكات الصرف الصحي فلا تغطي الا جزءًا بسيطًا ! ناهيك عن خدمات مكافحة التلوث وتحسين البيئة وحمايتها فأنها محدودة جدًا في كثير من مدن البلدان العربية .. وإذا استمرت اتجاهات التحضر والنمو العمراني في المنطقة العربية على هذا المنوال , فأن المراكز الحضرية والمدن الكبرى سوف تكون أكثر ازدحامًا وتلوثًا ومن ثم غير ملائمة لسكن الإنسان وفقًا للمقاييس الدولية نظرًا لتدمير البيئة الطبيعية حيث ازالة الكثير من المساحات الخضراء وانتـشار التصحر وزيادة حـــرارة الأرض وتقليص طبقة الأوزون وزيادة نسبةالتلوث في الجو والماء .. وغيرها .
وقد نتج هذا التدهور والقصور بسبب عدة عوامل منها
1 - عدم تنسيق سياسات وبرامج تحسين البيئة
2 - تعدد الجهات المعنية بالخدمات البيئية
3 - تعقد العلاقات بين البرامج المختلفة وذلك بالاضافة إلى تعدد الأجهزة المحلية والمركزية المسئولة عن البيئة والخدمات فيها ..
1- الاسكان وتوفير المأوى :
ان الأوضاع الحالية في معظم الدول العربية تعطي اهمية محدودة لمشكلات الاسكان وأن تأثير الحكومة وتدخلها لن يحل مشكلة العجز الكبير في المساكن خلال ربع القرن القادم ولا حتى التركيز على التنمية الريفية في بعض البلدان أو اتجاه انشاء مدن جديدة في بعضها الآخر سوف يُحدث تخفيفًا في النمو الحضري واحتياجات الاسكان , الأمر الذي سوف يستمر معه انشاء المستوطنات العشوائية ومدن الصفيح في أطراف المدن . وقد ترتب على غياب التخطيط لمواكبة هذا التزايد وضعف الامكانات وعدم توفير التمويل اللازم للاسكان , أن تفاقمت المشكلة .. وتشير معظم التنبؤات ومؤشرات النمو الحضري التي وردت في صدر هذا البحث أن التوسع في نمو المدن سيستمر خلال السنوات القادمة وأن هذه الظاهرة ستنعكس آثارها في المزيد من السكن العشوائي وبيوت الصفيح , وسيكون هناك المزيد من المدن المتدهورة والأحياء القديمة التي تطوق مدن العالم الثالث عمومًا وتساهم في تفاقم المشكلات والتدهور في صحة البيئة والنقص في المياه والخدمات والمرافق .. يضاف إلى ذلك متطلبات صحة البيئة والرعاية الصحية والخدمات المدينية الأخرى مثل المواصلات والاتصالات والطرق وتأمين الخدمات الصحية والتعليمية واحتياجات السكان الغذائية والامنية والترويحية .. ونحوها .
ولمواجهة مشكلات المأوى والاسكان فهناك استراتيجيات تهدف إلى معالجة اتجاهات النمو الحضري المتمثلة في زيادة سكان المدن وارتفاع نسبة البطالة الحقيقية والمتوسعة وزيادة الطلب على البنية التحتية والخدمات والمرافق . وفي مقدمة هذه الاستراتيجيات أهمية أدخال الاسكانفي اطار حملة التنمية والاستثمار باعتبار أن معالجة مشكلة الاسكان وتوفيره يخدم الاقتصاد والتنمية ومن ثم حماية البيئة .
2- النظافة والتخلص من النفايات :
أن التأكيد على هذا الجانب من العمل البلدي لن يغفل في المستقبل بل أنه سيزداد أهمية وذلك للأسباب التالية :
- كمية النفايات المنتجة وانتاج الفرد من النفايات في اليوم الواحد في تزايد مستمر .
- بدأت النفايات المنتجة في المدينة تزداد تعقيدًا في تركيبها وظهرت فيها مواد تعتبر ذات نوعية خاصة أو سامة كالبطاريات ومواد الطلاء والحيوانات الناقلة للمبيدات .
- زيادة كمية النفايات الصناعية المنتجة وتنوعها وخصوصًا الكيميائية .
إن المهام الأساسية للبلديات هنا ليس تنظيف المدينة وجمع النفايات فقط .. ولكن أيضًا التخلص من هذه النفايات ومعالجتها بطرق علمية تساعد على حماية البيئة من التلوث .وليس هذا فحسب ولكن أيضًا الاستفادة من هذه النفايات عن طريق تدويرها وربما تحقيق عائد اقتصادي منها يمكن استثماره في دعم الجهود لحماية البيئة .
ومن واقع بيانات الدراسة المسحية التي قام بها المعهد العربي لإنماء المدن حول النظافة العامة والتخلص من النفايات المشار إليها تبين أن النفايات المنزلية والتي تضم مخلفات مطابخ المنازل والفنادق والمطاعم ومحلات البقالة والأسواق والمحلات التجارية والمستخلصة عن 111مدينة عربية تمثل 78% من مجموع النفايات الأخرى وهذه النسبة أعلى من نسبة مخلفات كل دول العالم والتي تقرب من 75% من مجموع النفايات الصلبة عدا مخلفات المباني مما يعطي النفايات المنزلية اهمية بالغة ليس بسبب زيادة كميتها ولكن لاشتراك كل فرد من أفراد المجتمع في انتاجها يوميًا وبصورة متكررة وبكميات بسيطة تغطي كل المساحة السكنية من المدينة مما يؤدي إلى افساد البيئة السكنية وتلوثها .. ومما يجعلها من التحديات الكبيرة التي ينبغي مواجهتها والتخلص منها أو معالجتها .
ونظرًا لأن مشكلة النفايات في المدن ذات أبعاد متعددة مع الظروف والامكانات المتاحة لكل منها , فأنه من الضروري الأخذ باستراتيجية مناسبة لإدارة النفايات حتى يمكن التغلب على المشكلات التي تعوق فاعليتها وقدرتها على حماية البيئة .
3- شبكات المياه والصرف الصحي والتلوث :
يُعتبر من الأولويات الأساسية لاحتياجات المدن والمستوطنات البشرية توفير المياه الصالحة للشرب وكذلك تمديدات شبكات الصرف الصحي وخصوصًا بالنسبة لأطراف المدن .. ونظرًا لطبيعة المباني وتخطيطها في كثير من المدن العربية الذي يعتمد على الامتداد الأفقي , فإن ذلك يتطلب جهودًا كبيرة من البلديات والمدن لتمديدات تلك الشبكات . وحيث أن كثيرًا من المدن لا تتوفر لديها الامكانيات فإن عمليات توفير المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي تتم بطرق بدائية تتمثل في كثير من الأحوال في حفر الآبار العميقة منها والمتوسطة العمق ,والتي تستخدم احداهما لمياه الشرب والأخرى للتخلص من مخلفات الإنسان وينتج عن ذلك الكثير من النتائج المضرة بالصحة العامة وصحة البيئة . هذا إلى جانب أن مراكز المدن واحيائها القديمة تعاني من عدم كفاءة شبكاتها نظرًا لتقادمها من ناحية وللضغوط غير العادية عليها حيث صممت لخدمة عدد محدد ولمدة معينة وقد تجاوزت كلتا الحالتين بكثير .
وتعتبر إدارة التخلص من مياه الصرف الصحي في بعض الدول العربية من اختصاص جهات حكومية أخرى غير البلدية ولكن من الشائع أن تتولى البلدية هذه المهمة وحتى مع قيام جهات أخرى بعمليات إدارة الصرف الصحي , فإن ذلك لا يعفي البلدية من تحمل جزء من مسئولية هذه الإدارة وذلك لارتباط التخلص من مياه الصرف الصحي بعمليات النظافة والصحة العامة وصحة البيئة الحضرية .. وعليه فأنه من الضروري التنسيق في مجال إدارة النفايات والتخلص منها وإدارة مياه الصرف الصحي وخصوصًا فيما يتعلق باساليب وتقنيات التخلص من النفايات في كل منها .
4- الرقابة على المواد الغذائية وحمايتها من التلوث :
لقد شهد انتاج وتصنيع المواد الغذائية في العقد الأخير تطورًا ملموسًا وزادت الانتاجية حيث تم استنباط أنواع وثمار جديدة كما زادت امكانيات حفظ المواد لمدة طويلة ونقلها لأماكن بعيدة .. إلا أن هذا التطور لم يكن دون مشاكل أو دون ظهور آثار جانبية تلقي بظلالها في مجال صحة الإنسان والنبات والحيوان وتلوث البيئة ولم تعد المواد الغذائية تتعرض فقط للتلوث الطبيعي وإنما أيضًا للتلوث الكيميائي وهو أكثر ضررًا حيث يصعب اكتشافه بالحواس العادية ويحتاج إلى معدات وتقنية لاكتشافه .
إن المدن الكبرى ميسورة الموارد تتوافر لديها الامكانات المادية والفنية والتقنية والمختبرات للقيام بعمليات الرقابة .. ولعل المهم في هذا المجال وضع استراتيجية تأخذ في الاعتبار :
- وضع نظام موحد لإدارة الرقابة بحيث تكون هناك معايير موحدة .
- تبادل المعلومات والخبرات والاستفادة من الخبرات المتوافرة لدى المدن الكبرى.
- القيام بدراسات مشتركة حول المواد الغذائية وملوثاتها وأساليب معالجتها .
كما وأن التعاون بين المدن وحده لا يكفي بل يجب أن يتبعه تعاون اقليمي ودولي خصوصًا وأنه قد حدث تطور كبير في نقل المواد الغذائية عبر القارات .
5- خدمات المرور والاختناقات المرورية :
تشهد المدن العربية حركة مرورية متزايدة نظرًا للنمو الاقتصادي والحضري حيث تزايد عدد السيارات زيادة كبيرة وخصوصًا السيارات الخاصة وسيارات الأجرة بالاضافة إلى النقل العام وآليات الخدمات والمرافق وجميعها يمثل مصدرًا كبيرًا لتلوث بيئة المدينة .. ومما يزيد الحالة سوءًا عدم اتساع الشوارع وبالتالي ازدحامها مما يؤدي إلى اختناقات مرورية ويضاف إلى ذلك قدم السيارات والآليات في كثير من المدن العربية ويترتب على ذلك تلوث الهواء باكسيد الكربون وتعطيل حركة المرور .
وتحظى شبكات النقل الحضري بالمزيد من الاهتمام نظرًا لتزايد السكان في المدن وتزايد حركة نقل البضائع .. وهذا النمو المستمر لحركة النقل وتطورها ساهم في نقص المرافق وازدحام الطرق . وهناك حاجة لمزيد من الاجراءات لتحسين الطرق وتنظيم حركة المرور وتمديد شبكات الخدمات إلى أطراف المدن للحد من تردد سكان الأطراف على قلب المدينة واعتمادهم الدائم على خدماتها .
6- الكوارث وخدمات الطوارئ والاغاثة في المدن :
الكوارث بأنواعها الطبيعية أو التي من صنع الإنسان ظاهرة تشهدها المدن في سـائر انحاء العالم , وتعاني المدن وسكانها من ويلات الكوارث بمختلف أنواعها وأشكالها .. وإلى جانب الزلازل والأعاصير والفيضانات التي تكتسح المدن على فترات متباعدة , هناك الحرائق وحوادث المرور كوارث العصر الناجمة عن الغازات والكيماويات والأشعاعات والقنابل بأنواعها المتعددة .. ونحوها .
وعليه أصبحت الحاجة ملحة للاهتمام بمكافحة الكوارث والتي ينتج عنها الكثير مما يتسبب في تلويث البيئة والاضرار بها .. ومن هنا كان لا بد من الأخذ باساليب السلامة والحيطة والوقاية من حدوث الكوارث والاستعداد لمكافحتها ثم معالجة آثارها عن طريق خدمات الطوارئ والاغاثة واعادة الاوضاع إلى طبيعتها .
7- القوارض والحشرات والبيئة :
لقد ظهرت القوارض على سطح الأرض قبل ظهور الإنسان كما تشير الأبحاث الأثرية التي تتابع تاريخ ظهور الكائنات الحية , وفي الغالب عرفها الإنسان ككائنات تسبب الأوبئة والأمراض وتعبث بالممتلكات والمحاصيل . وقد اثبتت التجارب أنه من الناحية النظرية يمكن أن يبلغ تناسل فأر وفارة في غضون عام واحد ولادة عدد من الفئران يقدر بألف وخمسمائة , ولكن من لطف الله تعالى أن هناك عوامل طبيعية تحد من حدوث ذلك .
ومن جانب آخر فأنه لا يوجد أي مجتمع إنساني يخلو من الحشرات , وكثير من هذه الحشرات يضر بالصحة والبيئة , ويكثر انتشار معظم الحشرات في المناطق الحارة والتي من بينها الدول العربية , والحشرات تحمل في جسمها المكروبات وتتكاثر بسرعة وهي أنواع كثيرة ومنها الصراصير التي تعيش في دورات المياه وتنقل للإنسان أمراضًا كثيرة . ويضاف إلى ذلك الذباب والناموس وغيرها مما يتطلب المكافحة , وتتم مكافحة الحشرات بأساليب متعددة منها المكافحة الميكانيكية واستخدام المواد الكيميائية وربما تكون المكافحة الميكانيكية أقل ضررًا على البيئة حيث أن المكافحة الكيميائية تلحق الضرر بالبيئة والصحة العامة وذلك لشمولها على مساحيق ومواد سامة لها اثار سلبية على البيئة .
8- التصحر وازالة الغطاء النباتي :
التصحر كارثة كبيرة تهدد حياة الإنسان والحيوان والنبات .. وفي كل عام تزحف الصحراء إلى المناطق الخضراء والزراعية وتقضي على آلاف الكيلو مترات المربعة الخضراء , يضاف إلى ذلك قطع الإنسان للأشجار والغابات لاستخدامها كوقود مما يؤدي إلى مزيد من تعرية الأراضي والمناطق التي كانت تزخر بالأشجار والغطاء النباتي الذي له أثره في الحياة العامة مما لا يحتاج إلى تبيان .
ولقد كان للتخطيط الحضري والتوسع العمراني مساهمته في القضاء على الغطاء النباتي في العالم عامة وفي العالم العربي بشكل خاص وفي منطقة الخليج على وجه الخصوص التي شهدت طفرة عمرانية هائلة بعد اكتشاف النفط فتوسعت المدن وضمت إليها القرى والأرياف كما تم انشاء مدن جديدة وكل ذلك أدى إلى قطع اعداد كثيرة من الأشجار ولم تراعي اهمية هذه الأشجار في تثبيت التربة وتلطيف الجو والآثار البيئية الأخرى .. يضاف إلى ذلك تشييد الشوارع الواسعة والمسفلتة وكذلك مواقف السيارات المبلطة ونحوها مما ترتب عليه إزالة المزيد من الغطاء النباتي .
المستوطنات والإعتداء على البيئة :
ان كثيرًا من الناس لا يرى المستوطنة البشرية الا حيزًا من الأرض .. ومن المؤكد أن المكان عنصر هام من عناصر المستوطنات البشرية وبدونه لا يمكن الحديث عن المستوطنة , فالمكان هو البيئة والبوتقة التي تنصهر فيها جميع المكونات بطريقة مناسبة لتحقيق التنمية المتواصلة .. ويلعب المكان دور المستضيف الذي لا يتدخل في سير الأمور إلا أن دوره مهم ليس فقط في ذاتية المكان ولكن لاحتوائه على معطيات عديدة لا غنى عنها في عملية التنمية . وتفاعل الإنسان مع المكان ومعطياته هو الذي يؤدي إلى ديناميكية المكان وتنمية المستوطنات .
كما وأن التقدم التكنولوجي في هذا العصر مكن الكثير من الأماكن ذات الظروف المناخية القاسية لتصبح أكثر قابلية للاستيطان . ومما لا شك فيه أن هناك عوامل بيئية طبيعية لها طابع مكاني وأخرى ذاتية شخصية ممثلة في الإنسان وأعماله وهي التي تحدد إلى أي مدى يصبح المكانمستوطنة بشرية بصفة دائمة أو مؤقتة . أن السؤال الذي يستحق الاجابه هو إلى أي مدى يكون هناك تفاعل متبادل بين البيئة والطبيعة والإنسان .. ويذكر في هذا الصدد أن لهذه البيئة معطيات محددة تتألف من مصادر متجددة ومصادر غير متجددة والتفاعل السليم مع هذين المصدرين هو الذي يحدد في النهاية أية المستوطنتين يشهد التطور السليم الذي يتناسب مع متطلبات البيئة . ولكن ولسوء الحظ نادرًا ما يراعي الإنسان المطالب البيئية بل على العكــس يقوم بكثير من النشاطات التي تعتبر اعتداء على البيئة مـن ذلك على ســبيل المثال :
- الافراط في استغلال المصادر غير المتجددة مما يؤدي إلى تناقصها بصفة مستمرة ثم فنائها وانتهائها مما يعنى الاعتداء على حقوق الاجيال القادمة .
- الافراط في استغلال المصادر المتجددة ويؤدي هذا إلى الأخذ من الطبيعة أكثر مما تطيق أن تقوم بتجديده وهذا يؤدي إلى تناقص مستمر في الكمية التي تجدد وبمرور الزمن سوف يأتي اليوم الذي يستهلك فيه الجزء الأخير من المصدر المتجدد وبالتالي فأن المصدر المتجدد نفسه يختفي .
أن التدخل غير السليم من قبل الإنسان في محتويات البيئة الطبيعية من العوامل الهامة التي أدت إلى تدهور أحوال البيئة في كثير من المستوطنات البشرية . فالإنسان هو الذي ساهم إلى حد بعيد في القضاء على الغابات وإلى ظهور ما يسمى بظاهرة التصحر , كما قام بتلويث الهواء وذلك باطلاقه ملوثات تتضمن أبخرة لمواد كيماوية وهناك تلوث التربة والمياه السطحية والجوفية .. وكل ذلك بفعل الإنسان ونشاطاته .
ان الاعتداء على الطبيعة ومحتوياتها يؤدي بمرور الزمن إلى تدهور البيئة وإلى أن تصبح كثير من النشاطات التي صممت أصلاً لتأتي بالتقدم والتنمية سببًا في التدمير والتخلف .
ولعل أول خطوة حول امكانات الحل يمكن القيام بها لوقف هذه الاعتداءات وحل مشكلة التدهور في البيئة هو اتباع اسلوب التنمية المستدامة والتي تهدف إلى الامتناع عن الاعتداء على البيئة الطبيعية ومكوناتها , والتوازن والاعتدال في استغلال مواردها المتجددة وغير المتجددة مع اتخاذ خطوات ايجابية لاعادة التوازن البيئي للمستوطنات البشرية .
المشكلات البيئية والمعالجات :
لقد اضحت مشكلة اختلال التوازن البيئي من المشكلات الدولية التي تشغل دول العالم قاطبة خاصة الدول الصناعية الغربية والتي ساهمت إلى حد كبير في تلوث البيئة عن طريق التحولات الصناعية التي شهدتها هذه الدول والتوسع في الصناعات الكيماوية والذرية وغيرها من الصناعاتالتي تؤثر على البيئة وعلى طبقة الأوزون .. كما احتلت القضايا البيئية مكانة رئيسية في دورات الجمعية العامة للأمم المتحدة , وكرس برنامج الأمم المتحدة للبيئة جهوده لحماية البيئة .
كما بذلت الدول والمنظمات والأجهزة المعنية بالبيئة جهودًا كبيرة .. لقد باتت قضية التلوث البيئي من الأولويات التي تشغل المعنيين ممن يصنعون السياسات أو يتخذون القرارات في مختلف انحاء العالم .. وبدأت بعض الدول الصناعية الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1977 في اتخاذ خطوات لمجابهة احتمالات انخفاض طبقة الأوزون فقامت يتحريم استعمال مواد ( الكورفلور كاربون ) (1) التي يؤدي إلى اطلاقها المستمر في الجو إلى استنفاد طبقة الاوزون وأن كان استعمالها ما زال شائعًا لاغراض محدودة مثل التبريد . كما أولت الولايات المتحدة اهتمامًا خاصًابحماية البيئة ووضعت برنامجًا للمحافظة على التوازن البيئي وقامت بعقد مؤتمرات دولية عديدة لهذا الشأن . كما لعبت وكالة الفضاء الامريكية (ناسا ) دورًا هامًا في مجال الكشف عن تآكل طبقة الأوزون ومعرفة أسباب ذلك .
ويؤكد المسئولون المتخصصون في حماية البيئة الامريكية أن العديد من القضايا التي تهدد البيئة الامريكية لا يمكن التعامل معها الا على المستوى الدولي كما يؤكدون أن الاجراءات التي يمكن للدولة أن تتخذها بمفردها ستكون غير كافية لمعالجة مشكلات البيئة إذ أن المعالجةتحتاج إلى عمل جماعي من قبل دول العالم مجتمعة , كما وأن العمل مطلوب للتعامل بكفاية عالية مع السلع المتبادلة في التجارة الدولية مثل الكيماويات السامة .
واهتمت كندا بموضوع التوازن البيئي والمحافظة على طبقة الاوزون وكرست جهودًا لاجـراء الدراسات ومراقبة طبقة الاوزون وتم في أراضيها ابرام أول بروتوكول لتوعية الرأي العام العالمي بالمخاطر والآثار المترتبة على تآكل طبقة الاوزون .
كما بدأت دول اوروبا الغربية توجه اهتماماتها وجهودها نحو حماية طبقة الاوزون والمحافظة على التوازن البيئي وعقدت لها الندوات والمؤتمرات واصبح موضوع المحافظة على البيئة من أهم الموضوعات التي بدأت التركيز عليها في الانتخابات الاوروبية والتي شهدت تقدمًا ملحوظًالانصار البيئة الذين سموا انفسهم ( الخضر) .
ومن أوروبا الغربية بدأت أصوات انصار البيئة ترتفع في كافة أنحاء العالم بما في ذلك دول اوروبا الشرقية والدول الصناعية في شرق آسيا كاليابان وتجاوز الاهتمام بمخاطر البيئة وتآكل طبقة الاوزون نطاق الـدول الصناعية الكبرى وشمل الصين والهند.
غير أن جهود التصدي لمخاطر نضوب طبقة الاوزون وارتفاع درجة حرارة الأرض والاختلال الطبيعي للبيئة برزت بصورة أوضح بعد الكوارث التي شهدتها بعض دول العالم ومنها كارثة محطة تشيرنوبل في الاتحاد السوفيتي السابق , وظهور موضوع نقل نفايات الدول الغنية إلى العالم الثالث وافريقيا بصفة خاصة.
وتحركت الدول الصناعية الكبرى مرة أخرى لاتخاذ خطوات جادة للتصدي لمخاطر نضوب طبقة الاوزون, وترجم هذا التحرك في القرارات والتوصيات التي صدرت عن مؤتمر القمة الخامس عشر للدول الصناعية الكبرى في باريس يوليو 1989م حيث قرر الزعماء قيادة معركة حماية البيئة وتبني ميثاق سلوك يهدف إلى الحفاظ على ميراث الاجيال المقبلة وأعطى المؤتمر لموضوع البيئة ولأول مرة اهمية مماثلة لاهمية المسائل الاقتصادية والمالية والدولية وعلاقات الشرق والغرب وذلك من منطلق أن البيئة اضحت تعتبر احدى المعطيات الاقتصادية والسياسية الرئيسية .. ومن أهم توصيات ذلك المؤتمر :
- اتخاذ اجراءات فورية لفهم توازن البيئة وحمايته وصولاً إلى فهم مشترك للمحافظة على البيئة سليمة ومتوازنة .
- انشاء منظمة تعاون وتنمية اقتصادية للبيئة تأخذ في الاعتبار مشكلات البيئة عند رسم السياسات الاقتصادية للدول الصناعية .
- حث الدول الفقيرة على المشاركة في حماية البيئة عبر مساعدات التنمية التي تقدم لها .
وحيث تولى غالبية دول العالم عناية خاصة لقضايا البيئة , فأن المنظمات الدولية لم تتوانى عن المشاركة والتشجيع لكل الجهود المبذولة لحماية البيئة ومن بين هذه المنظمات البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي حيث يوليان اهتمامًا متزايدًا للبعد البيئي للتنمية .
فالبنك الدولي من خلال برامجه لمكافحة الفقر ودعم التنمية القابلة للاستمرارSustainable Development ركز على موضوع التقويم البيئي للمشروعات التي يدعمها أو يمولها وذلك بهدف ربط محتوى دراسة التأثير في البيئة بالعمليات التي يزمع القيام بها واعتبار آثار العملية على بيئة دولة اجنبية من المشكلات الدولية .
وقد اضطلع برنامج الأمم المتحدة للبيئة بدور رئيسي في تطوير الوعي والأحساس بالوتيرة المتسارعة لتدهور البيئة فيما يتعلق ببعض القضايا الرئيسية التي باتت تتصدر الاهتمامات وهي القضايا المتعلقة بالجو وبوجه خاص تغير المناخ وتزايد حرارة الأرض واستنفاذ طبقة الاوزونوالامطار الحمضية .. ودعا البرنامج إلى أن تصبح البيئة بعدًا في استراتيجية انمائية دولية .
منظمة المدن العربية وأجهزتها والمشكلات البيئية في المدن العربية :
انسجاماً مع الجهود الدولية في مجال البيئة وحمايتها , بدأت المنظمات والمؤسسات العربية المهتمة بحماية البيئة تعطي اهتمامًا كبيرًا لقضايا معالجة الأخطار المحيطة بتلوث البيئة الحضرية في المدن العربية وذلك نظرًا للنمو المتزايد السريع الذي تشهده المدن العربية نتيجة لتنفيذ مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وخاصة المشروعات الصناعية .
وفي اطار هذا الاهتمام , فأن منظمة المدن العربية وجهازها العلمي الفني المتخصص ( المعهد العربي لإنماء المدن ) قد اهتما بدراسة البيئة الحضرية والتعرف على مشكلات المدن العربية الناتجة عن التلوث البيئي والتأكيد على أهمية دور البلديات والمجالس البلدية والقروية في حماية البيئة والتخلص من النفايات إلى جانب معالجة المشكلات والقضايا التي تواجه المدن والبلديات وذلك من خلال اعداد الدراسات العلمية والتطبيقية واللقاءات المتخصصة ومن خلال برامج التدريب إلى جانب الخدمات الاستشارية .
وشملت اهتمامات منظمة المدن العربية ومعهدها تنظيم المؤتمرات والندوات العلمية التي تناولت قضايا البيئة , نشير إلى بعض منها فيما يلي :
1- المؤتمر العام الرابع عن ( البيئة الصحية في المدن العربية ) الذي عقد في بغداد عام 1974م وصدرت الابحاث والدراسات التي عالجت الموضوع من جميع جوانبه في كتاب بعنوان ( البيئة الصحية في المدن العربية ) يضم ثلاثين بحثًا ودراسة علمية نظرية وتطبيقية .
2- الندوة العلمية حول ( دور البلديات في حماية البيئة بالمدن العربية ) التي عقدت في الكويت عام 1981م وتركزت أعمالها على مختلف جوانب المشكلات البيئية ومفهوم التكامل البيئي وصدرت عنها حوالي عشرين توصية في حماية البيئة الحضرية .
3- ندوة ( المدينة والكوارث ) التي عقدت بالتعاون مع اكاديمية نايف العربية للعلوم الامنية (المركز العربي للدراسات الامنية والتدريب ) سابقًا وذلك في مدينة تونس عام 1986م.
كما تم في مجال البحوث اصدار الدراسة الموسوعية الشاملة عن النظافة والتخلص من النفايات في المدينة العربية , والتي تعتبر موسوعة مصغرة في هذا المجال , كما صدرت دراسـة عن أساليب ووسائل معالجة النفايات والاستفادة من تصنيعها وتدويرها .
كما تم اعداد القوانين والنظم واللوائح والاجراءات المنظمة للشئون الصحية والبيئية في المدن العربية .
هذا إلى جانب عشرات الدورات التدريبية المتخصصة في مجال النظافة والتخلص من ا النفايات والصرف الصحي وصحة البيئة .
التوصيات والحلول المقترحة (رأي شخصي) :
لقد تنامى ادراك الدول والمنظمات والأفراد في الأونة الأخيرة بظاهرة تدهور البيئة وخاصة فيما يتعلق ببعض القضايا الرئيسية التي باتت تتصدر الاهتمامات لدى العلماء والمتخصصين والمهتمين بالبيئة . فقد اصبح من الواضح أن مستقبل رفاهية الجنس البشري وأمنه فوق هذا الكوكب يتوقف على تقليل الآثار البيئية السلبية لأنشطة الإنسان التي نجمت عن التلوث البيئي الصناعي وغيرها وعدم السيطرة عليها, ولقد اصبحت العلاقة بين القضايا البيئية وإدارتها وبين الأمن الوطني والدولي أمرًا مسلمًا به كما يتزايد ادراك الحاجة إلى القيام بجهود مكثفةدولية واقليمية ومحلية وانسانية بشأن هذه القضايا البيئية التي تتجاوز الحدود الوطنية للدول . وبمعنى آخر فأنه اصبح من الضروري النظر في كيفية تركيز الجهود وفي الطريقة المثلى لحماية البيئة على الصعيد الوطني والاقليمي والدولي .. ولعل من حسن الطالع أن الدول
والمنظمات والهيئات الرسمية وغير الرسمية المحلية والاقليمية والدولية باتت توجه جهودها واهتمامها في السنوات الأخيرة نحو حماية البيئة والمحافظة على التوازن البيئي .
وفي اطار معطيات هذه الجهود وما جرى طرحه في هذا البحث , فأنني من خلال هذا البحث أرى أهمية طرح استراتيجية لمعالجة القضايا والمشكلات البيئية والمحافظة على صحة البيئة وحمايتها في المدن العربية , ويمكن أن تركز هذه الاستراتيجية على ما يلي إلى جانب الأمور الجوهرية الأخرى :
1- التركيز على البيئة وبرامج حمايتها من قبل الإدارة الحضرية المعنية مع الأخذ بنتائج الدراسات البيئية وخاصة تلك التي تركز على النواحي الإنسانية والمستويات البيئية المطلوبة .
2- اتخاذ الإجراءات الوقائية والعلاجية من خلال أجهزة التخطيط للحاضر والمستقبل مع الأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات حسب الواقع للتخلص من النفايات , مواقف وسائل النقل داخل المدن , مواقع الحركة لتفادي الازدحام والاختناقات المرورية .
3- ايجاد نظم معلومات وبيانات حول التلوث البيئي .. وهذه ضرورية حتى يمكن تحليل الحوادث الناتجة عن المواد الكيمياوية والاشعاعات .. ونحوها على الحياة في المدن وخاصة الكبرى منها .
4- الاهتمام بأطراف المدن والأخذ باسلوب التخطيط الشامل والمتكامل للخدمات والمرافق المحلية وابتكار وسائل للتنسيق وانشاء قنوات اتصال مستمر بين الجهات والأجهزة المعنية بالخدمات البيئة والحضرية.
5- دعم برامج توعية المواطنين وحثهم على حماية بيئتهم والابتعاد عن السلبيات التي تؤدي إلى التلوث والسلوكيات الأخرى التي ينتج عنها التدهور البيئي .
6- ايجاد أجهزة متخصصة تعني بقضايا البيئة للتنسيق مع الأجهزة الحكومية والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية التي تعمل في مجال البيئة في جميع المشروعا التنموية والصناعية والزراعية والتجارية والخدمية .. ونحوها .
7- اهمية وضع قوانين داخلية لحماية البيئة مع الأخذ بعين الاعتبار القوانين الدولية والاقليمية المرتبطة بالتأثير على البيئة .
8- الاهتمام بالتقويم البيئي ودمج مشروعات البيئة في عمليات التنمية .
9- تدريب وتأهيل منسوبي المدن والبلديات تدريبًا حديثًا في مجال صحة البيئة وحمايتها .
10- اجراءات دراسات وبحوث متخصصة وتطبيقية في مجال صحة البيئة والتوازن البيئي .
تم بعون الله تعالى
المراجع :
* The Conservation Foundation: State of the Environment - An assessment at mid-decade2.
* Berry, Jim and others: Urban Regeneration - Property Investment and Development. London: E & F N Spon
* Fuchs, Roland J. and others: Mega City Growth & Future. Tokyo: Unitd Nations University Press,
* World Waste. (Monthly Journal).
الأربعاء يونيو 29, 2011 4:00 pm من طرف سما
» لكل اسبوع رواية
الأربعاء يونيو 29, 2011 3:53 pm من طرف سما
» يلا ادخل عرفنا بنفسك
الأربعاء يونيو 29, 2011 3:30 pm من طرف سما
» الاحداثيات المسقطة و الاحداثيات الجغرافية
الجمعة أبريل 22, 2011 8:41 pm من طرف Admin
» موقع فرنسي لتحميل الخرائط الطبوغرافية
الجمعة أبريل 22, 2011 8:37 pm من طرف Admin
» خطوط الكنتور(تعاريف)(خصائص)(تطبيق)
الجمعة أبريل 22, 2011 8:35 pm من طرف Admin
» السد العالى
الجمعة أبريل 22, 2011 8:20 pm من طرف Admin
» لا اله الا الله
الجمعة أبريل 22, 2011 8:09 pm من طرف Admin
» هام جداا
الأحد يناير 16, 2011 10:35 pm من طرف Admin